“الرحمة المحمدية ،وإفتراءات المستشرقين “
بقلم :
د. محمد المنشاوي..
تجاوز عدد قتلى الحربين العالميتين الأولى والثانية ١٧ و ٤٠ مليون ضحية على التوالي ، كما تجاوز عدد شهداء بلدٍ كالجزائر من أجل نيل إستقلالها من المستعمر الفرنسى الغاصب مليون ونصف حتى أنها لُقِبت ببلد المليون شهيد ، فى حين بلغ عدد ضحايا غزوات وسرايا الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم طوال عشر سنوات بعد الهجرة نحو ألف وخمسمائة فقط من الجانبين !! ..
فإلى أى جانب تقع فِريةَ القتل والإرهاب الدموى والإبادة للجنس البشري ؟؟ بل إلى أى مدى يظهر تجنى المستشرقين على رسول الإسلام وكذب وإفتراء مقولتهم التى لطالما روجوا لها وهى أن الإسلام إنتشر بالسيف .. !! ..
وأتساءل هل أسلم أبو بكر بالسيف ، هل أسلم عمر بن الخطاب بالسيف أو هل أسلم حمزة أو غيره من زعماء وسادة قريش بالسيف ؟ بل كان إقتناعاً بالحجة والصدق والثقة واليقين والعقل والدعوة إلى نشر السلام بين الناس كل الناس دون ترويع أو تهديد .. فأين السيف الذى رُفع فى وجه هؤلاء ؟؟ ..
لقد أخرج الترمزى عن عبد الله بن سلام – أحد كبار أحبار اليهود قبل إسلامه – قوله : أن أول ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رآه لدى وصوله المدينة : ” أفشوا السلام وصِلوا الأرحام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام “..
فأين السيف الذى أجبر الحبر اليهودى الكبير حصين بن سلام ، على دخول الإسلام وليقول ذلك ؟؟.
فرسالته صلى الله عليه وسلم كانت دعوةً لإفشاء السلام بين البشر ونبذ العنف وتحريم إراقة الدماء وعدم ترويع الآمنين ، حتى مع مخلوقات الله الأخرى من الطيور والحيوانات ..
ذات يوم كان صلى الله عليه وسلم يسير وبرفقته جماعة من الصحابة ، فإستولى أحدهم على أفراخٍ صغارٍ لطائر ، مما روعه ودفعه للصراخ بصورة لفتت نظره صلى الله عليه وسلم فقال : مَنْ منكم روع هذا الطائر على صغاره ، أعيدوا عليه صغاره .. وفعلوا رحمة منه بطائر فقد صغاره فما بالكم برحمته حيال البشر ..
لقد إستغرقت دعوة الرسول لدين الله سرًا فى مكه ٣ سنوات عندما قيل له “وإنذر عشيرتك الأقربين” (الشعراء) ، ثم مالبث أن جهر بها لعشر سنوات أخرى بالحسنى والخُلُق الرفيع ، قبل أن يهاجر إلى المدينة ليكمل بها عشر سنوات أخرى قبل إنتقاله الى الرفيق الأعلى ..
وتعرض المسلمون الأوائل فى مكة لأصناف شتى من التعذيب والتنكيل على يد مشركى قريش ، حتى أنهم كانوا يأتون الرسول صلى الله عليه وسلم ما بين مضروب ومشجوج يتظلمون له من عذاب المشركين لهم ، فيقول لهم : إصبروا فإنى لم أؤمر بالقتال .. فأين السيف طوال ١٣ عامًا فى مكة لصد الأذى والتعذيب عن المسلمين ؟ ..
وإستمر هذا الصبر على الأذى حتى نزلت هذه الآية بعد الهجرة عقب بيعة العقبة إذنًا لهم بالتهيؤ للدفاع عن أنفسهم ، ولم يكن هناك قتالٌ قبل ذلك طوال سنوات بقائه فى مكة المكرمة : “أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير “(الحج) ، وأتساءل أين كان السيف قبل ١٣ عامًا من ذلك ؟؟..
وتأكيدًا على سلمية هذه الدعوة المحمدية ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخوله مكة قائداً فاتحًا منتصرًا ، ظنت قريش أن محمدًا سيفتك بهم وينتقم منهم جزاء ما فعلوه بالمسلمين حتى أن بعضهم الذى قتل وعذب ونكل بالمسلمين الضعفاء بينهم ، هَمَّ بالفرار بأهله وماله الى المرتفعات والجبال هروبًا من جيش المسلمين الفاتح ، وإذ بهم يتفاجأون عند الكعبة برد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : ما تظنون أنى فاعلٌ بكم .. قالوا أخ كريم وإبن أخٍ كريم ، قال : إذهبوا فأنتم الطلقاء ، فى أكبر عملية عفو جماعى يشهدها التاريخ ، دون محاكمات تقام ، ومشانق تًنصب ، على شاكلة ما فعله الإنجليز فى بلادنا عند وفاة أحد جنودهم الغازية بضربة شمس ، بل وما تفعله آلة الحرب الصهيونية اليهودية المدعومة من الأمريكان والغرب بإبادة جماعية للمدنيين الفلسطينيين فى الأراضي المحتلة..
وفِرية المستشرقين ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته ، ما هى إلا واحدة من مئات الإفتراءات ضمن آلاف الكتب والأبحاث التى طبعوها فى محاولات للتشويه والتشكيك والتحريف والتزييف والإنكار ضد الإسلام ، فى إطار حرب ضروس تتسم بالحقد والضغينة على رسول الاسلام ودعوته..
من هذه الكتب الأكثر سُمية وتطرف – كما يصفها الدكتور محمد البهى – كتاب حياة محمد تأليف وليام موير ، وكتاب ميزان الحق تأليف سنكلير تسدل ، وكتاب اليهودية فى الإسلام تأليف إبراهام كاسن وغيرها من مئات الكتب الخطيرة المشوهة لصورة الاسلام ..
هكذا دائمًا ، هو حال المستشرقين الذين دأبوا على مدى قرون من الأزمنة ولا يزالون ، فى حرب ضروس حاقدة لا تتوقف ضد الإسلام ، الذى رغم ذلك يسود وينتشر بإفشاء السلام والرحمة التى جاء بها رسوله صلى الله عليه وسلم للعالمين “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” ..